أصل حكاية الشاربات... "تاج" الطاولة الرمضانية في الجزائر
كان من عادة السلاطين العثمانيين توزيع الشراب المنعش على الرعية عند ولادة أولياء العهد والأمراء
العائلات في متيجة الجزائرية أبدعت في تحضير عصير الشاربات (اندبندنت عربية)
لا يفارق موائد الجزائريين خلال شهر رمضان وحضوره ضروري وأساسي أحياناً في بعض مناطق البلاد، إنه عصير "الشاربات" الذي يعرف إقبالاً كبيراً لما له من طعم "ليموني". وقد تجد عدداً مضاعفاً من أكياس هذا المشروب على طاولات الإفطار بسبب اقتناء كل فرد من العائلة على ليتر أو ليترين منه، ما يؤكد شغف الجزائريين لـ"الشاربات" لا سيما في رمضان.
تركيبة طبيعية خاصة... لكن لماذا "متيجة"؟
بطبيعة الحال تختلف وتتعدد أنواع ونكهات العصائر والمشروبات، إلا أن "الشاربات" يختلف عنهم بسبب تركيبته التقليدية، وغالبية الجزائريين تجمع على أن مذاق هذا المشروب "لا يقاوم". فهو محضّر من مواد طبيعية خالصة عن طريق مزج الحليب وعصارة الليمون الطبيعي والسكر وماء الزهر أو الفانيلا، ويُنَكَه بزهر الفل الطبيعي ومنهم من يضيف العسل الطبيعي أيضاً.
العصير الذي له تاريخ يمتد إلى قرون مضت، تخبر الرواية المتداولة أنه مرتبط بمنطقة متيجة وبشكل خاص محافظة البليدة وتحديداً منطقة بوفاريك.سباك صحي
يعرف عن منطقة متيجة التي تشمل محافظة البليدة وجزءاً من محافظات العاصمة وعين الدفلى وتيبازة وبومرداس، أنها فلاحية بامتياز وبلد الحمضيات، الأمر الذي سمح لسكانها بتنويع العصائر والمشروبات ومربى البرتقال والليمون على مختلف أنواعه. فلا يخلو بيت من شجرة البرتقال أو الليمون، وحتى الحدائق العمومية تزينها هذه الأنواع من أشجار الحمضيات. ولعل مشروب "الشاربات" أحد أهم العصائر التي أبدعت عائلات هذه المناطق في تحضيرها ومنحتها بذلك صفة الحاضر الضروري على موائد رمضان الجزائريين.
وتقول إحدى الروايات إن "الشربات" يعود ظهورها إلى القرن التاسع ميلادي، وكانت تحل محل النبيذ، وسميت وقتها بـ "الشربة" أو "الشريبة"، فيما تتحدث روايات أخرى عن أنها استعملت لدواع كثيرة إلى جانب إطفاء عطش الظمآن، كمداواة الحمى ونقص الشهية.
وفي القرن 11 ميلادياً، ظهر في الأندلس كتاب "الشربات" الذي يضم وصفات تحضيرها جنب بعض الأكلات، ما أسهم في انتشارها في كامل أنحاء أوروبا.
وربما يعود أصل المشروب إلى تركيا بحسب بعض المهتمين بالتراث، معتبرين أنها مأخوذة من كلمة Şerbeti بالتركية، والمتداولة في مختلف البلدان التي كانت تحت حماية الدولة العثمانية، إذ كان من عادة السلاطين العثمانيين توزيع الشراب المنعش على الرعية عند ولادة أولياء العهد والأمراء. وتتحدث الروايات عن أن لون الشربات العثمانية أحمر، ويتم تحضيرها بالقرنفل وماء العنب والقرفة والزنجبيل والتمر الهندي.
وبحسب بعض المخططات العثمانية القديمة، فإنه كان هناك ما يقارب 300 نوع من "الشربات" المختلفة المجهزة من الزهور المختلفة، لكن الأشهر آنذاك كان يحضر من زهرة الياسمين والزنبق ووردة البنفسج.
لم ينته تاريخ "الشربات" عند هذا الحد، بل هناك من يتمسك بأن الكلمة دخلت قاموس الأكاديمية الفرنسية عام 1789، تحت تعريف "شراب يتحول إلى سوربيي" أي ماء مثلج.سباك صحي
حافظ سكان منطقة متيجة عبر التاريخ على "الشاربات" كتقليد بين العائلات من دون ممارسة التجارة، على اعتبار أن مكونات العصير تتوافر لدى كل أسرة بخاصة شجرة الليمون التي كانت تغرس وسط البيوت وما زالت. وكان السكان يصنعون الشربات ثم يضعونه في إناء يفضل أن يكون من الفخار أو من البلاستيك وليس من المعدن، ثم تضاف إليه قطع الثلج لإبقائه بارداً في الأيام الحارة، أو يسكب في زجاجات تغطى بكيس من القماش توضع فوقه قطعة ثلج للحفاظ عليه بارداً. إنها صناعة عائلية رمزية تقدم للضيوف وتهدى للجيران والأحباء عند الإفطار وأثناء السهرات.سباك صحي
لكن تحول عصير "الشاربات" إلى تجارة مربحة انتشرت في بقية مناطق البلاد، واختلفت طرق تحضيره، وقد غلبت عليه المواد الكيماوية بعد أن ارتفعت أسعار الليمون، الأمر الذي أفقده بعض "القدسية" على رغم استمرار الإقبال عليه في شهر رمضان. فالمتجول في شوارع مختلف مدن الجزائر الكبيرة منها والصغيرة بما فيها الأرياف، يلاحظ انتشار طاولات عشوائية ومحلات "الشربات" بألوان وأذواق مختلفة، من اللون الأصفر والأحمر إلى البرتقالي ومن مذاق الليمون إلى الأناناس والموز وغيرها، في مشهد يوحي بأن "الشربات" فقدت "تاجها".
وأمام التهافت اللافت على "الشربات" على تعدد ألوانها في شهر رمضان، تحذر منظمات المجتمع المدني من استهلاكها بسبب "الغش الذي يتم في عمليات التحضير بعيداً من أعين الرقابة وفي ظل لهف الصائمين"، حيث دعت المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك المواطنين إلى الابتعاد من "الشربات" والاعتماد على العصائر التي تحضر منزلياً، مؤكدة بأنها سامة ومسرطنة. ونشرت صوراً كثيرة وكتبت "هذه ليست مساحيق ومواد تنظيف أرضيات من البقع الصعبة وتطهير المنزل... هذه شربات بألوان عدة"، وأشارت إلى أن الأخطر من ذلك هو العبوات البلاستيكية التي توضع فيها ويجهل مصدرها، وقد تكون مستعملة من قبل، وأحياناً تكون معبأة في أكياس بلاستيكية. وختمت أن شراء حبات من الليمون وعصرها أفضل من استهلاك "الشربات" التي تباع في الشوارع من دون مراعاة أي شروط النظافة.
إلى ذلك، يرى رئيس الهيئة الجزائرية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي، مصطفى خياطي، أن المشكلة ليست في العصير بل في الظروف التي يحضر فيها، لجهة الخضوع لمعايير النظافة أولاً، لافتاً إلى أن الجزائري أصبح يشتري العصائر المعروضة على الأرصفة، بخاصة "الشربات" التي باتت تحتوي على ملونات ونكهات اصطناعية وأحماض تكون بجرعات زائدة، تهدد صحة مستهلكيها. سباك صحي
ويعاقب قانون العقوبات الجزائري بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات كل من يغش أو يعرض أو يضع للبيع أو يبيع مواد معدة لتغذية الإنسان أو الحيوانات، أو مواد طبية أو مشروبات أو منتجات فلاحية أو طبيعية، يعلم أنها مغشوشة أو فاسدة أو مسمومة، ويعاقب بالسجن المؤبد، إذا تسببت تلك المادة بموت إنسان.
كان من عادة السلاطين العثمانيين توزيع الشراب المنعش على الرعية عند ولادة أولياء العهد والأمراء
العائلات في متيجة الجزائرية أبدعت في تحضير عصير الشاربات (اندبندنت عربية)
لا يفارق موائد الجزائريين خلال شهر رمضان وحضوره ضروري وأساسي أحياناً في بعض مناطق البلاد، إنه عصير "الشاربات" الذي يعرف إقبالاً كبيراً لما له من طعم "ليموني". وقد تجد عدداً مضاعفاً من أكياس هذا المشروب على طاولات الإفطار بسبب اقتناء كل فرد من العائلة على ليتر أو ليترين منه، ما يؤكد شغف الجزائريين لـ"الشاربات" لا سيما في رمضان.
تركيبة طبيعية خاصة... لكن لماذا "متيجة"؟
بطبيعة الحال تختلف وتتعدد أنواع ونكهات العصائر والمشروبات، إلا أن "الشاربات" يختلف عنهم بسبب تركيبته التقليدية، وغالبية الجزائريين تجمع على أن مذاق هذا المشروب "لا يقاوم". فهو محضّر من مواد طبيعية خالصة عن طريق مزج الحليب وعصارة الليمون الطبيعي والسكر وماء الزهر أو الفانيلا، ويُنَكَه بزهر الفل الطبيعي ومنهم من يضيف العسل الطبيعي أيضاً.
العصير الذي له تاريخ يمتد إلى قرون مضت، تخبر الرواية المتداولة أنه مرتبط بمنطقة متيجة وبشكل خاص محافظة البليدة وتحديداً منطقة بوفاريك.سباك صحي
يعرف عن منطقة متيجة التي تشمل محافظة البليدة وجزءاً من محافظات العاصمة وعين الدفلى وتيبازة وبومرداس، أنها فلاحية بامتياز وبلد الحمضيات، الأمر الذي سمح لسكانها بتنويع العصائر والمشروبات ومربى البرتقال والليمون على مختلف أنواعه. فلا يخلو بيت من شجرة البرتقال أو الليمون، وحتى الحدائق العمومية تزينها هذه الأنواع من أشجار الحمضيات. ولعل مشروب "الشاربات" أحد أهم العصائر التي أبدعت عائلات هذه المناطق في تحضيرها ومنحتها بذلك صفة الحاضر الضروري على موائد رمضان الجزائريين.
وتقول إحدى الروايات إن "الشربات" يعود ظهورها إلى القرن التاسع ميلادي، وكانت تحل محل النبيذ، وسميت وقتها بـ "الشربة" أو "الشريبة"، فيما تتحدث روايات أخرى عن أنها استعملت لدواع كثيرة إلى جانب إطفاء عطش الظمآن، كمداواة الحمى ونقص الشهية.
وفي القرن 11 ميلادياً، ظهر في الأندلس كتاب "الشربات" الذي يضم وصفات تحضيرها جنب بعض الأكلات، ما أسهم في انتشارها في كامل أنحاء أوروبا.
وربما يعود أصل المشروب إلى تركيا بحسب بعض المهتمين بالتراث، معتبرين أنها مأخوذة من كلمة Şerbeti بالتركية، والمتداولة في مختلف البلدان التي كانت تحت حماية الدولة العثمانية، إذ كان من عادة السلاطين العثمانيين توزيع الشراب المنعش على الرعية عند ولادة أولياء العهد والأمراء. وتتحدث الروايات عن أن لون الشربات العثمانية أحمر، ويتم تحضيرها بالقرنفل وماء العنب والقرفة والزنجبيل والتمر الهندي.
وبحسب بعض المخططات العثمانية القديمة، فإنه كان هناك ما يقارب 300 نوع من "الشربات" المختلفة المجهزة من الزهور المختلفة، لكن الأشهر آنذاك كان يحضر من زهرة الياسمين والزنبق ووردة البنفسج.
لم ينته تاريخ "الشربات" عند هذا الحد، بل هناك من يتمسك بأن الكلمة دخلت قاموس الأكاديمية الفرنسية عام 1789، تحت تعريف "شراب يتحول إلى سوربيي" أي ماء مثلج.سباك صحي
حافظ سكان منطقة متيجة عبر التاريخ على "الشاربات" كتقليد بين العائلات من دون ممارسة التجارة، على اعتبار أن مكونات العصير تتوافر لدى كل أسرة بخاصة شجرة الليمون التي كانت تغرس وسط البيوت وما زالت. وكان السكان يصنعون الشربات ثم يضعونه في إناء يفضل أن يكون من الفخار أو من البلاستيك وليس من المعدن، ثم تضاف إليه قطع الثلج لإبقائه بارداً في الأيام الحارة، أو يسكب في زجاجات تغطى بكيس من القماش توضع فوقه قطعة ثلج للحفاظ عليه بارداً. إنها صناعة عائلية رمزية تقدم للضيوف وتهدى للجيران والأحباء عند الإفطار وأثناء السهرات.سباك صحي
لكن تحول عصير "الشاربات" إلى تجارة مربحة انتشرت في بقية مناطق البلاد، واختلفت طرق تحضيره، وقد غلبت عليه المواد الكيماوية بعد أن ارتفعت أسعار الليمون، الأمر الذي أفقده بعض "القدسية" على رغم استمرار الإقبال عليه في شهر رمضان. فالمتجول في شوارع مختلف مدن الجزائر الكبيرة منها والصغيرة بما فيها الأرياف، يلاحظ انتشار طاولات عشوائية ومحلات "الشربات" بألوان وأذواق مختلفة، من اللون الأصفر والأحمر إلى البرتقالي ومن مذاق الليمون إلى الأناناس والموز وغيرها، في مشهد يوحي بأن "الشربات" فقدت "تاجها".
وأمام التهافت اللافت على "الشربات" على تعدد ألوانها في شهر رمضان، تحذر منظمات المجتمع المدني من استهلاكها بسبب "الغش الذي يتم في عمليات التحضير بعيداً من أعين الرقابة وفي ظل لهف الصائمين"، حيث دعت المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك المواطنين إلى الابتعاد من "الشربات" والاعتماد على العصائر التي تحضر منزلياً، مؤكدة بأنها سامة ومسرطنة. ونشرت صوراً كثيرة وكتبت "هذه ليست مساحيق ومواد تنظيف أرضيات من البقع الصعبة وتطهير المنزل... هذه شربات بألوان عدة"، وأشارت إلى أن الأخطر من ذلك هو العبوات البلاستيكية التي توضع فيها ويجهل مصدرها، وقد تكون مستعملة من قبل، وأحياناً تكون معبأة في أكياس بلاستيكية. وختمت أن شراء حبات من الليمون وعصرها أفضل من استهلاك "الشربات" التي تباع في الشوارع من دون مراعاة أي شروط النظافة.
إلى ذلك، يرى رئيس الهيئة الجزائرية لترقية الصحة وتطوير البحث العلمي، مصطفى خياطي، أن المشكلة ليست في العصير بل في الظروف التي يحضر فيها، لجهة الخضوع لمعايير النظافة أولاً، لافتاً إلى أن الجزائري أصبح يشتري العصائر المعروضة على الأرصفة، بخاصة "الشربات" التي باتت تحتوي على ملونات ونكهات اصطناعية وأحماض تكون بجرعات زائدة، تهدد صحة مستهلكيها. سباك صحي
ويعاقب قانون العقوبات الجزائري بالحبس من سنتين إلى خمس سنوات كل من يغش أو يعرض أو يضع للبيع أو يبيع مواد معدة لتغذية الإنسان أو الحيوانات، أو مواد طبية أو مشروبات أو منتجات فلاحية أو طبيعية، يعلم أنها مغشوشة أو فاسدة أو مسمومة، ويعاقب بالسجن المؤبد، إذا تسببت تلك المادة بموت إنسان.